الأذان عبادة، والعبادات لا يُستعاض عنها بالدنيا،

كما قال تعالى:

{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَٰلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى ٱلْأَخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُ . . .}

[هود: 15، 16].

لكن أهل العلم أجازوا أن يوظف ولي الأمر للمؤذنين رزقاً من بيت المال، لأجل تفرغهم لهذا العمل، وتشجيعهم على ذلك.

لكن من أذن لأجل المال فقط، ولو انقطع المال ترك الأذان، فلا أجر له.

وقد اتفق العلماء على أنه يستحب للمؤذن أن يؤذن ويقيم بلا أجر ولا رزق، واتفقوا على جواز أخذ الرزق من بيت المال على الأذان والإقامة، إلا أن بعض الفقهاء من الشافعية والحنابلة قيدوا ذلك بعدم وجود المتبرع للأذان بلا أجر أو رزق.

وأما أخذ الأجر على الأذان أو الإقامة، فالخلاف فيه معروف، قال ابن تيمية رحمه الله:

"ومأخذ العلماء في عدم جواز الاستئجار على هذا النفع أن هذه الأعمال يختص أن يكون فاعلها من أهل القرب بتعليم القرآن، والحديث، والفقه والإمامة والأذان، لا يجوز أن يفعله كافر، ولا يفعله إلا مسلم، بخلاف النفع الذي يفعله المسلم والكافر: كالبناء والخياط، والنسج، ونحو ذلك، وإذا فعل العمل بالأجرة لم يبق عبادة لله، فإنه يبقى مستحقاً بالعوض، معمولاً لأجله، والعمل إذا عمل للعوض لم يبق عبادة، كالصناعات التي تعمل بالأجرة.

فمن قال: لا يجوز الاستئجار على هذه الأعمال، قال: إنه لا يجوز إيقاعٌها على غير وجه العبادة لله، كما لا يجوز إيقاع الصلاة والصوم والقراءة على غير وجه العبادة لله، والاستئجار يخرجها عن ذلك.

ومن جوز ذلك، قال: أنه نفع يصل إلى المستأجر، فجاز أخذ الأجرة عليه، كسائر المنافع. قال: وإذا كانت لا عبادة في هذه الحال، لا تقع على وجه العبادة، فيجوز إيقاعها على وجه العبادة، وغير وجه العبادة، لما فيها من النفع.

ومن فرق بين المحتاج وغيره – وهو أقرب – قال: المحتاج إذا اكتسب بها أمكنه أن ينوي عملها لله، ويأخذ الأجرة ليستعين بها على العبادة، فإن الكسب على العيال واجب أيضاً، فيؤدي الواجبات بهذا، بخلاف الغني؛ لأنه لا يحتاج إلى الكسب، فلا حاجة تدعوه أن يعملها لغير الله، بل إذا كان الله قد أغناه، وهذا فرض على الكفاية: كان هو مخاطباً به، وإذا لم يقم إلا به، كان ذلك واجباً عليه عيناً (1). اتنهى.

والنهي عن أخذ الأجرة جاء في غير ما حديث؛ ففي "مسند أحمد" من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي فَقَالَ أَنْتَ إِمَامُهُمْ وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا" (2).

وما جاء في "المسند" و "سنن النسائي" وابن ماجه وصححه ابن حبان من حديث أبي محذورة رضي الله عنه: "دعاني النبي صلى الله عليه وسلم حين قضيت التأذين، فأعطاني صرى فيها شيء من فضة" (3)، فذلك من غير شرط ولا اتفاق ولا طلب، وهو رزق وليس بأجرة، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك من باب تأليف قلبه لحداثة عهده بالإسلام.


المراجع

  1. الفتاوى (30/206، 207).
  2. أحمد (16378).
  3. أحمد (15454)، النسائي (633)، ابن ماجه (1/234)، ابن حبان (1680).