اتفق العلماء على استحباب الإنصات عند سماع الأذان ومشروعية إجابة المؤذن، وقال بعضهم بوجوبه؛ كابن وهب والحنفية وأهل الظاهر، وحكاه الطحاوي عن بعض السلف.
والصحيح أنه سنة، لما في "الصحيحين"
من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ" (1).
ولما أخرجه مسلم وغيره: "أنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذناً، فلما كبر قال: "عَلَى الْفِطْرَةِ"، فلما تشهد قال: " خَرَج مِنْ النَّارِ" (2).
فلما قال صلى الله عليه وسلم غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب.
وقد جعل الخطابي في "معالم السنن" هذا الحديث صارفاً للوجوب.
ولما رواه الشافعي في "الأم" (3) قال: حدثني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب، قال: حدثني ثعلبة بن أبي مالك، قال: "كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر، فإذا سكت المؤذن قام عمر، فلم يتكلم أحد".
ففيه دليل على عدم وجب الترديد والمتابعة للمؤذن، لترك الصحابة مع شهود عمر.
وأما ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" عن المسيب بن رافع عن عبدالله بن مسعود أنه قال: "مِنَ الجَفَاءِ أَنْ يُسمَع الأذان ثُمَّ لَا يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ" (1)، ففيه انقطاع، وليس فيه ما يدل على الوجوب.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن السامع يقول مثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلة، فإنه يحوقل.
وذهب مالك إلى أنه يقول مثل ما يقول المؤذن إلى الشهادتين، ولا يتم معه ما بعدها، ولا دليل عليه، والثابت خلافه،
لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ"
(1) رواه مسلم.
ولما روي عن معاوية رضي الله عنه:
"أَنَّهُ لِمَّا أَذَّنَ، فَقَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَة: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، فَقَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: هَكَذا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَّا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ"
(2). رواه أحمد، وهو في البخاري مختصراً.
ويستحب أن يزيد عند التشهد ما ورد في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ"
(3). رواه مسلم.
وأما حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ" (4).
وحديث أم حبيبة رضي الله عنها: "كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ عِنْدِي فَسَمِعَ المُؤَذِّنُ، يَقُولُ كَمَا يقولُ حَتَّى يِسْكُت" (1) فهي عامة، جاء تفصيلها في غيرها بذكر الحوقلة عند الحيعلتين.
ويحكي قوله: "الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ" في التثويب في أذان الفجر، لعموم المتابعة.
وأما ما يفعله كثير من الناس من عدم متابعة المؤذن إلا بقول: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" في آخره، فمما لا أصل له.
وإذا تعدد المؤذنون الذين يسمعهم، فيجيب الأقرب منهم ويكفي عن الباقين، وبذلك أفتى غير واحد من العلماء؛ كالعز بن عبدالسلام (2) وغيره، وإن تابع الجميع واحداً بعد الآخر بلا تداخل، فلا بأس.
لعموم حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ" (3).
وأما إجابة المؤذن حال الصلاة، فلا تنبغي إن كان خلف إمام في صلاة جهرية؛ لأنه مأمور بالإنصات والمتابعة، وما عدا ذلك فيجيبه، لعموم الأمر بالإجابة، قال به ابن وهب وسحنون، وروي عن مالك، وصوبه ابت تيمية، ومنع منه أبو حنيفة والشافعي، بل قال أبو حنيفة: إن أراد متابعة الأذان في الصلاة بطلت صلاته (1).
وترديد المؤذن لأذانه لا يستحب على الصحيح؛ لأنه يلزم من ذلك فصل، ولم ينقل عن أحد من الصحابة ولا التابعين، والمقصود من إجابة المؤذن هو: "أن يقول مثل ما يقول" كما في الحديث، والمؤذن قد قال، ويفي السامع. وقد استحبه بعض الأئمة؛ كأحمد كما نقله صاحب "المغني" (2)، وابن تيمية في شرح العمدة (3)، وقال به ابن الملقن في "الإعلام" (4)، ولم يستحبه ابن رجب كما في القاعدة السبعين من "قواعده" (5).
وإجابة الإقامة عند سماعها ات تستحل على الصحيح، وأما حديث أبي أمامة رضي الله عنه: "أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ فَلَمَّا أَنْ قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا" وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان". فلا يصح (1).
وقد روى أحمد في "مسنده" عن محمد بن قيس عن موسى بن طلحة، قال: "سمعت عثمان بن عفان وهو على المنبر، والمؤذن يقيم، وهو يستخبر الناس ويسألهم عن أخبارهم وأسعارهم" (2).
ومحمد بن ثابت العبدي قال عنه النسائي: ليس بالقوث. وقال أبو داود: ليس بشيء، وشيخ العبدي مجهول، وشهر ضعيف على الصحيح.
وذهب الشافعية إلى مشروعية الإجابة في الإقامة، وصوب ذلك ابن القيم، كما في كتابه "جلاء الأفهام" (1).
والإجابة بعد انتهاء الأذان سنة فات محلها، وإن فاته أولها والمؤذن في أذانه، فلا بأس بأن يتدارك ما فاته.
والاستماع للأذان عبر المذياع ونحوه مشروع لعموم الدليل.
ولا يصح عند سماع الأذان شيء غير ما تقدم، وأما قول: (صدقت وبررت) عند التثويب، فلا أصل له كما قاله الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (2): وأما ما زعمه الزبيدي في"إنحاف السادة المتقين" (3): أنه وارد في السنة، فليس ذلك إلا وهماً.
ومثله قول: "مرحباً بالقائلين عدلاً"، أو "أهلا بذكر الله"؛ فقد روى قتادة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان إذا جائه من يؤذنه بالصلاة قال: "مرحباً بالقائلين عدلا، وبالصلاة مرحباً وأهلاً" (4). ولا يصح؛ للانقطاع في إسناده.
ورواه أحمد بن منيع كما في "المطالب" (5) والطبراني في "الدعاء" (6) من وجه آخر، وفي إسناده عبدالرحمن بن إسحاق يرويه عن عبيد الله القرشي عن عبدالله بن عكيم عن عثمان وعبدالرحمن ليس بشيء، ورواه ابن شبه في "أخبار المدينة" (7) عن عمرو بن أبي عبيدة عن مروان بن الحكم عن عثمان.
وقول: "الله أعظم والعزة لله" أو غيرها من الألفاظ عند سماع تكبيرة الأذان لا أصل له.
وقول: "اللهم اجعلنا من المفلحين" عند قول المؤذن: "خي على الفلاح"، كذلك.
وأما حديث معاوية رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ المُؤَذِّن يقولُ: حَيِّ عَلَى الفَلَاحِ، قَالَ: اللهم اجْعَلْنَا مِنَ المُفْلِحينَ" (1)، فلا يصح؛ ففي إسناده نصر بن طريف، وهو متروك.
وقول: "حقاً" عند انتهاء المؤذن من الأذان، لا أصل له.
ومسح العين وتقبيل اليد عند سماع التشهد لا أصل له أيضاً.