نقل غير واحد الإجماع على سُنية الالتفات عند الحيعلتين؛ فقد روى مسلم من حديث أبي جُحَيْفَة رضي الله عنه قال:
"أَذَّنَ بِلَالٌ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا يَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ" (1).
وفي حكاية الإجماع توقف؛ لوجود من علق الأمر بمصلحة الإسماع من بعض الفقهاء من المالكية وغيرهم.
وقد وقع الخلاف في استحباب الالتفات في الحيعلتين في الإقامة.
والصحيح أنه لا يستحب؛ إذ لا دليل عليه، والأليق في الإقامة عدمه؛ إذ يشرع فيها الحدر.
وصفة الالتفات لا أعلم لها كيفية مفصلة في السنة. ولذا اختلف في هيئتها العلماء على ثلاثة أحوال:
الأولى: أنه يقول: "حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ" في المرتين عن يمينه، ثم يقول عن يساره: "حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ" في المرتين.
وهو مذهب الحنابلة، وقول لبعض الفقهاء من الشافعية والحنفية، وهو الأقرب.
الثانية: عن يمينه "حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ" مرة، ثم عن يساره أخرى، ثم يقول: "حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ" مرة عن يمينه، ثم عن يساره أخرى.
وهو قول لبعض الفقهاء من الحنفية والحنابلة.
الثالثة: كالحالة الأولى، لكنه يرجع بعد كل حيعلة إلى القبلة فيستقبلها بوجهه.
والأظهر أن علة الالتفات هو الإسماع، فينتفي العمل به مع وجود مكبرات الصوت.
وأما الاستدارة، فلا تُسَنُّ في الأذان والإقامة. وقال بها بعض الفقهاء، واحتجوا بما روي في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه وفيه:
"فَخَرجَ بِلَالٌ فاسْتَدَارَ فِي أَذانِهِ" (1) ولا يصح؛ لأنه من رواية الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف لا تقوم بمثله حجة، وتفرده بمثل هذه السنة مردود بمرة، ولو صحت،
لكان المراد بالاستدارة الالتفات، وقد جاء نفي الاستدارة، كما روى أبو داود من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه وفيه:
"رَأَيْتُ بِلَالًا خَرَجَ إِلَى الْأَبْطَحِ فَأَذَّنَ فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ" (2).