الأذان من خصائص الإسلام وشعائره الظاهرة

فإن إعلان التوحيد شيء عظيم، ومن أعظم ما يعلن به التوحيد في اليوم تكراراً ومراراً .

فهذا الأذان علامة على أنهم مسلمون، وقد اتفق الفقهاء على أن الأذان من خصائص الإسلام، وشعائره الظاهرة، وأن أهل بلدٍ من المسلمين لو تركوه عمداً قوتلوا.

وقد اجتمع النبي ﷺ مع أصحابه بالمدينة بعد الهجرة، فجعلوا يتحاورون ماذا يجعلون لاجتماع صلاتهم علامةً على دخول وقتها، فأشار بعضهم بنصب رايةٍ فلم يعجبه ذلك، فذكر له الناقوس فقال: هو من أمر النصارى، فقيل: لو اتخذنا بوقاً فقال: ذاك لليهود، فقالوا: لو رفعنا ناراً، فقال: ذاك للمجوس، فأرى الله عبد الله بن زيد الأذان، فقال ﷺ لما قصها عليه: إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك، فهو فرض كفاية، وشعيرة الإسلام الظاهرة.

ويُختار له ندي الصوت من المسلمين؛ لأنه أبلغ في الإعلام وأجمع للقلوب على الحضور، هذا العمل الكبير من أفضل الأعمال عند الله. أن  المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطبٍ ويابس، وأجره مثل أجر من صلى معه والمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة.

الأذان مطردةٌ للشيطان، يولي وله ضراط حتى لا يسمع صوت التأذين، كما قال ﷺ.

في قوله تعالى:

"والأذان داخلٌ"

                                                                                                                                                  (فصلت : 33)

قالت عائشة رضي الله عنها: "نزلت في المؤذنين".

أوصى النبي ﷺ به في الحضر والبدو، وقال لرجلٍ: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌ ولا إنسٌ ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة.

وقد تنازع العلماء أيهما أفضل: الأذان أو الإمامة؟

فاختار بعضهم الأذان، وقال عمر "وإذا أذن الكافر وأتى بالشهادتين كان ذلك إسلاماً على الصحيح"، يعني لو أراد الإسلام، فقيل له أذن، فأذن دخل في الإسلام.

قال النووي رحمه الله: "وإذا أذن الكافر وأتى بالشهادتين كان ذلك إسلاماً على الصحيح"، يعني لو أراد الإسلام، فقيل له أذن، فأذن دخل في الإسلام.

كلمات الأذان وعظم أثرها

اشتمل الأذان على كلمات مباركة، فيها ذكرٌ لله، وإعلاء لكلمته، وتوحيد في عبوديته، وشهادة بالرسالة لنبيه ﷺ، نفي الشريك عن الله، ودعاءٌ للتوحيد، وإثبات الرسالة لمحمد بن عبد الله ﷺ، ودعوة إلى الصلاة والفلاح، وفيه إشارة إلى المعاد، وختم بكبرياء الله تعالى وعظمته، وبِصِغَر من سواه.

وهكذا كان الأذان ذكريات عبر التاريخ أيضاً، فلما توفي رسول الله ﷺ قال بلال: لا أؤذن لأحدٍ بعد رسول الله ﷺ، فأقام حتى خرجت بعوث الشام، فسار معهم، فلما فتح عمر  بيت المقدس، قال عمر لبلال وكان في الجيش: ألا تؤذن لنا، فأذن بلال، فذكَّر الناس النبي ﷺ فبكوا بكاءً شديداً حتى لم يُرَ يوماً أكثر باكياًَ منه من ذلك اليوم.

كم من كافرٍ أسلم بسبب الأذان، وتساءل عن هذه الكلمات، أسلمت نصرانيةٌ من أذانٍ سمعته من جوال صديقتها المسلمة، وأخرى زارت بنتها التي أسلمت، فلما سمعت أذان الفجر ورأتها مستعدةً لأداء الفريضة أحست بيقينٍ يدخل قلبها، وكان ذلك سبب إعلان إسلامها.

هذا الأذان الذي يطرق قلب الذي يدخل في الإسلام فيقول أحدهم: أتيتٌ بلداً للمسلمين وأنا أكره الإسلام، ومع مرور الوقت وأنا أسمع الأذان صرتُ أفكر فيه، وأسأل عن معانيه، فتأثرت بقول الله تعالى: 

"وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ"

                                                                                                                                                       (آل عمران : 85)

 فدخل الإسلام قلبي وأسلمت وكانت بدايته في ذلك الأذان الذي أسمع صوت المنادي به.

وهذا الأذان الذي يرفع على أسطح المساجد كان في عهد النبي ﷺ وخلفائه، ثم صارت المآذن لما ازدحمت المدن بالأبنية علامة على المسجد، يعرف بها المسجد من بين زحام الأبنية، فيقصده المصلون، وتظهر فائدته وسط البنايات المزدحمة المرتفعة فتكون المئذنة دليلاً للناس الذي يريدون الصلاة على مكان المسجد.

الله أكبر في المآذن دعوة             في كل محرابٍ لها ترداد

ورفع الصوت بالأذان من السنة، وكان بيتُ امرأة من بني النجار من أطول بيتٍ حول المسجد كان بلالٌ يؤذن عليه الفجر، رواه أبو داود وهو حديث حسن.

وكانت دار عبد الله بن عمر فيها اسطوانة في قبلة المسجد يؤذن عليها بلال، ثم صارت هذه المنارات والمآذن.

لماذا الحرب على المآذن

ولما دخل الإسلام بلاد الكفر بهذه الجاليات التي بنت بيوتاً لله في البلاد التي استقرت فيها، ومن طبيعة المسلمين الاجتماع للجمعة والجماعة، واتخاذ بيوت العبادة، وبناء المساجد، وبيوت الله التي يذكر فيها ويرفع فيها اسمه:

"فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۝ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ"

                                                                                                                                              (النور : 36 - 37)

ولما رأى أعداء الله ظهور الدعوة وارتفاع صوت التوحيد، وهذا التكبير لم يرقهم ذلك، فمسحوا ما يسمى بالتنوع والتسامح والحرية والحياد والعالمية، وصاروا يحاربون رموز الإسلام، وشعائره الظاهرة، وصوتوا على منع بناء المآذن في بعض بلدانهم، وأراد اليهود منع إعلان أذان الفجر في مساجد القدس بدعوى أنه يزعجهم، وجعلت بعض الأحزاب الأوروبية قرارات ودراسات واجتماعات لعلاج هذه القضية بزعمهم، ورفعوا لواء أوروبا بلا مآذن، وقالوا بأن هذه رموز إسلامية لا يمكن تحملها، وكيف نسمح بسماع الأذان في سماء بلادنا،

"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"

                                                                                                                                                      (البقرة : 114)

وهؤلاء الذين يتبعهم المنافقون ويتخذونهم أئمة لهم وقدوةً في العلمنة والحرية بزعمهم هم الذين يحملون اليوم لواء المعاداة للإسلام والسعي في طمس شعائره، وهكذا يتم قذف بعض مساجد المسلمين بالحجارة والأخشاب وما هو أكثر من ذلك من الأشياء الحارقة، وما هذا إلا غيضاً من انتشار الإسلام في تلك البلاد.

ففي سويسرا على سبيل المثال يوجد ثلاثمائة وعشرة آلاف مسلم وأكثر من مائة وستين جامعاً، ويعتبر الإسلام هو الديانة الثانية في البلاد.

وسراب الديمقراطية وزيف حرية الرأي لدى الغرب ينهار مع الحقد على الإسلام

"قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ"

                                                                                                                                                   (آل عمران:118)

وهذا التناقض الصارخ بين الديمقراطيات المزعومة، وحرية الأديان وحرية الرأي يتهاوى أمام هذا السعي، لمنع بناء المساجد، ومنع المآذن، ومنع الأذان، وكذلك منع الحجاب.

وإذا نظرت في قضية منع الأذان ومنع الحجاب وجدت أن هذين الأمرين من الدعوة الظاهرة للإسلام، ومن شعائر الدين الظاهرة التي تدعو بنفسها، وتعلن دين

الله يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

                                                                                                                                                          (التوبة:32)

وفي هولندا يستورد القساوسة من أفريقيا بسبب إعراض شبابهم عن هذه الوظيفة وعن الدراسات اللاهوتية، وتغلق عشرات الكنائس، وموجة الأسلمة التي يتحدثون عنها بهذه الأعداد التي تزادد يومياً للداخلين في الإسلام، وثلاثة وستون نمساوياً يعتنقون الإسلام يومياً في (فينَّا)، وتزيد أعداد المساجد في الولايات المتحدة على ألفين، وفي نيويورك أكثر من مائة مسجد وحدها، وترتفع في بريطانيا أكثر من ألف مئذنة، وتعلو في سماء فرنسا ألف وخمسمائة وأربعة وخمسين من مآذن المساجد لا تكاد تتسع للمصلين، وتفوق أعداد المساجد والمصليات في ألمانيا ألفين ومائتين، وفي هولندا تزيد على أربعمائة، وفي بلجيكا تزيد على ثلاثمائة، وفي إيطاليا وحدها مائة وثلاثون مسجداً أبرزها مسجد روما الكبير، وهكذا تزداد رقعة الإسلام في العالم، ويزداد الدين انتشاراً، ويزداد الناس عليه إقبالاً، ويزيد الإعلان والإشهار بشعائره الظاهرة ولا شك أن كل هذا يقلقهم جداً، ثم يقوم بعض المنافقين ليقولوا: فلماذا لا نجعل لهم كنائس كما أن من حقهم منع مساجدنا لهذا السبب؟، وهذا الجاهل أو المغرض الذي يريد أن يسوي بين الحق والباطل، والإسلام والكفر، والتوحيد والشرك، ويعطي كل واحد منهما الوزن نفسه، ويريد أن يقارن هذا بهذا، ويقول: لماذا لا نبني لهم كنائس كما أنهم يبنون لنا المساجد؟ فنسمح لهم بهذا مقابل هذا، أفترضى أن يعبد غير الله وأن يشرك به، أفتسوي بين الحق والباطل، أفترى أن بيوت النار للمجوس، وبيع اليهود، وكنائس النصارى، وصوامع الرهبان، ومعابد البوذيين والهندوس، عندك وبيوت الله والمساجد سواء، فتقابل هذا بهذا، وتريد أن يكون هذا مع هذا مقايضة، فواعجباً لمن يسوي بين الإسلام والكفر، 

وقد قال الله تعالى:

"وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"

                                                                                                                                        (آل عمران : 85)

وقال النبي ﷺ: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار.

والمسلم إذا لم يستطع إقامة شعائر الدين الظاهرة في بلاد الكفر؛ فلا يجوز له الإقامة فيها، لقول النبي ﷺ: 

"أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"

ومن أقام فيها لضرورة أو حاجة فلا بد أن يأمن على دينه، وأن يستطيع إقامة شعائر الدين الظاهرة، وكذلك لا بد أن يتمكن من إقامة الجمعة والجماعة، وصوم رمضان ونحو ذلك من إظهار الدين، وإلا وجبت عليه الهجرة والمغادرة بلا ريب ولا شك، قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: "فتجب الهجرة إلى دار الإسلام على كل مستطيع لها إن عجز عن إظهار دينه، وكذلك من خاف فتنة في الدين وجبت عليه الهجرة حتى لو لم تجد المرأة محرماً 

لقول الله تعالى:

"إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا"

                                                                                                                                            (النساء : 97)

وواجبنا أن ندعم إخواننا المسلمين في أنحاء العالم وأن نناصرهم وأن نفزع لذلك بكل طريق نستطيع إعانتهم به، وأن نوقن بأن المستقبل للإسلام".

هي الشريعة عـين الله تكلـؤها       فكلما حاولوا تشويهها شاهوا

وما يفعله الغرب في الإسلام الآن سيؤدي في خاتمة المطاف إلى إيمان كثير من أوروبا برب الغلام.

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت          أتـاح لـها لسـان حسـود

حتى قال بعض الغربيين ستشرق الإسلام من جديد، ولكنها في هذه المرة تعكس حقائق الجغرافيا فهي لا تشرق من المشرق عادة، وإنما ستُشرق هذه المرة من جهة الغرب، نسأل الله أن يعز دينه، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم إنا نسألك أن تنصر دينك وكتابك وسنة نبيك ﷺ في العالمين، اللهم أعن من نصر الدين، ووفقه وكن معه يا أرحم الراحمين، وأخذل من خذل المسلمين، إنك على كل شيء قدير، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.