والتثويب: هو الدعاء للصلاة وغيرها، والمراد به: الرجوع إلى الإعلام بالصلاة بعد الإعلام الأول بقوله: "الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ" مرتين في أذان الفجر.

وقد اتفق الأئمة على أن التثويب سنة في أذان الفجر، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من الأئمة؛ كان هبيرة رحمه الله.

وقد كرهه الشافعي في الجديد؛ إذ لم يحكه أبو محذورة وقد تعقبه ابن المنذر في "الأوسط" (3/23)، فقال: "وما هذا إلا سهواً منه ونسياناً، حيث كتب هذه المسألة؛ لأنه حكى ذلك في الكتاب العراقي عن سعد القرظ، وعن أبي محذورة، وروى ذلك عن علي".

وللحنابلة رواية ضعيفة بوجوب التثويب، وغير معمول بها، والصواب سنيته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة رضي الله عنه: "فإنْ كَانَ صَلَاةَ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ (1).

ولما جاء في حديث بلال رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصبح فوجده راقداً، فقال: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ ، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أحسن هذا يا بلال، اجعله في أذانك" (1).

 ولا يصح؛ لأنه من رواية ابن المسيب عن بلال، ولم يسمع منه.

وموضع التثويب بعد قول المؤذن: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وهو قول جمهور العلماء.

وقال بعض الفقهاء من الحنفية أن موضعه بعد الأذان، وهو قول ضعيف جداً.

لما جاء في حديث أبي محذورة رضي الله عنه – وقد سبق – في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم له الأذان، قال: "حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَإِنْ كَانَ صلاةُ الصُّبْحِ  قُلْتَ: "الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" (2).

وما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كَانَ التَّثْوِيبُ فِي صَلاةِ الغَداةِ إذا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، فَلْيَقُلْ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ (3). 

وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهم قال: "كَانَ فِي الأَذانِ الأَوَّلِ بعد الْفَلَاحِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ (4). 

وقيل: يشرع في الأذان الأول قبل طلوع الفجر، وهو رأي لبعض الفقهاء من الحنابلة، وقال به بعض المتأخرين، وهو خلاف الصواب، بل يُشؤع التثويب على الصحيح في الأذان الثاني الذي يكون بعد طلوع الفجر، وهو مذهب الحنابلة وجماعة، وما جاء في بعض الأحاديث من ذكر (الأذان الأول)، فالمراد به أذان صلاة الفجر، لأن الإقامة تُسمى الثاني لما رواه "البخاري"

عن عائشة رضي الله عنها: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ (الصبح) ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ" (1).

وأما من قال بالتثويب بالأذان الأول قبل دخول وقت الفجر، استدلالاً بما روي عن عبدالله بن عمر، قال: "كَانَ فِي الأَذانِ الأَوَّلِ بعد الْفَلَاحِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مرتين (2) رواه البيهقي وغيره. . .

وما روي عن أبي محذورة يرفعه، وفيه: " وَإِذا أذنت بِالأَوَّل مِنَ الصُّبح، فَقُل: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ" أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما، وفي رواية "أبي داود": بالأولى مِنَ الصبح" (3).

فالمراد بالأذان هنا أذان الفجر لدخول وقت الصلاة، ويسمى الأول؛ لأنه قبل النداء للإقامة، والإقامة تسمى (الثاني)، ففي بعض ألفاظ حديث عائشة السابق عند "مسلم" (1168): "فإذا كان عند النداء الأول وثب. . . ثم خرج إلى الصلاة. ." الحديث.

وعند الدارمي (1/410) بلفظ: "فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِن الأَذانِ الأَوَّلِ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ..." إلخ.

قال الحافظ في "الفتح" (2/109):

"المراد بالأولى: الأذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت، وهو أول باعتبار الإقامة، وثان باعتبار الأذان الذي قبل الفجر".

وكذلك لما رواه نعيم بن النحام رضي الله عنه قال: كُنْتُ مَعَ امْرَأتِي فِي مِرْطهَا فِي غَداةٍ بَاردةٍ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُول  الله صلى الله عليه وسلم إِلى صَلَاة الصُّبْحِ، فَلَمَّا سَمِعْتُ قُلتُ: لَوْ قَالَ: "وَمَنْ قَعَدَ فَلَا حَرجَ"، قال: فلما قَالَ: "الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ"، قَالَ: وَمَنْ قَعَدَ فَلَا حَرَجَ" (1).

قال العلامة السندي في "حاشية النسائي" (1/511).

"أي المناداة الأولى، وهي الأذان، وتسميتها أولى لمقابلتها للإقامة".

وقال صاحب "عون المعبود" (1/511).

"قوله: بالأولى، أي بالنداء الأولى وهي الأذان، والثانية هي الإقامة".

فيما سبق، يتبين أن الصحابة يُطلقون كلمة (الأول أو الأولى) على الأذان الثاني من الصبح، وكأنهم يعدون الأول الذي قبل الوقت زائداً، ولذلك قدم البخاري في التبويب "باب الأذان بعد الفجر" على "باب الأذان قبل الفجر" مخالفاً للترتيب الوجودي، وهذا من تمام فقهه وسعة علمه.

قال ابن المنير: "لأن الأصل في الشرع أن لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، فقدم ترجمة الأصل على ما ندر منه". أ هـ.

وعليه تتابع عمل المسلمين.

وأما ما احتج به بعض أهل العلم مما في الصحيحين مرفوعاً: "إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ" (1).

وقوله صلى الله عليه وسلم:  "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ ..." (2) متفق عليه أيضاً.

قالوا: بلال رضي الله عنه هو من ينادي في أذانه بـ" الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ"؛ فقد أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/189)، وابن حزم في "المحلي" (3/94) من طريق وكيع عن سفيان عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة أنه أرسل إلى مؤذنه: إذا بلغت حي على الفلاح، فقل: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فإنه أذان بلال.

قال ابن حزم رحمه الله: سويد بن غفلة من أكبر التابعين، قدم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمس ليال أو نحوها، وأدرك جميع الصحابة الباقين بعد موته عليه السلام.

فلا يلزم من ذلك لزوم بلال على أذانه ذلك في الفجر، بل قد يراوح في الأذان مع ابن أم مكتوم،  وما تقدم صريح، وهنا محتمل.

ويكره التثويب لغير أذان صلاة الفجر عند جمهور العلماء من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة.

لما جاء في حديث بلال رضي الله عنه: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أُثَوِّبَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ إِلَّا صَلَاةَ الْفَجْرِ" (1).

ومن قال بالتثويب في غير الفجر أحدث، فعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ" (2).

وروى مجاهد، قال: دخلت مع عبدالله بن عمر مسجداً وقد أذن فيه، ونحن نريد أن نصلي فيه، فثوب المؤذن، فخرج عبدالله بن عمر من المسجد، 

وقال: اخرج بنا من عند هذا المبتدع، ولم يصل فيه (3).

المراجع

  1. أبو داود (500)، النسائي (633).
  2. ابن ماجه (716).
  3. تقدم.
  4. البيهقي (2024)، ابن خزيمة (386).
  5. الدارقطني (1/251)، البيهقي (2026)، الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (842) ط. عالم الكتب.
  6. البخاري (626).
  7. رواه البيهقي (2026).
  8. أبو داود (500)، النسائي (633).
  9. مصنف عبدالرزاق (1926، 1927)، أحمد (18099).
  10. البخاري (620)، مسلم (1092).
  11. البخاري (621)، مسلم (1093).
  12. أحمد (24409)، الترمذي (198).
  13. البخاري (2697)، مسلم (1718).
  14. أبو داود (538).